مشاهدة التلفاز وعلاقتها باللعب عند الأطفال

لو لم يشاهد طفلك التلفاز, ماذا كان سيفعل في الوقت الذي يقضيه حالياً في مشاهدة التلفاز؟
كان هذا أحد الأسئلة التي وجهتها من خلال استبانة وُزِّعت على مائتي عائلة في اللاذقية حول الأطفال وإدمان التلفاز
وكانت 90% من الإجابات بأن الطفل كان سيقضي هذه الساعات في اللعب, ومن الواضح أن الطفل الذي يقضي ثلاث ساعات أو أربعة في مشاهدة التلفاز يومياً يقتطع هذه الساعات من وقت لعبه أولاً.
فالمشاهدة التلفزيونية تقلل من وقت لعب الأطفال, هذا إن لم نقل أنها تؤثر في طبيعة لعب الأطفال ذاتها!
وقد ورد في تقرير جمعية الطب النفسي الأمريكية الملاحظة التالية: "إننا نشك في أن التلفاز يعوق القدرة التخيلية بقدر ما يستولي على وقت اللعب التلقائي".
وفعلاً مهما حرك التلفاز خيالَ الطفل فلن يحركه على نحوٍ أفضل مما يفعل اللعب الحقيقي, والتعامل مع الأشخاص والأشياء. ولكنَّ ما يقدّمه التلفاز من إثارة بصرية مبهرة يبثُّ في نفس الطفل الملل من كلِّ ما عداه, فيرى الألعاب باهتة, والمدرسة باعثة على الضجر والسأم بشكل متزايد, لأنه ينتظر أن يجد فيها التسلية والمتعة التي يجدها أمام التلفاز!!
والأهل يساهمون في هذا بشكلٍ أو بآخر, فكم منا من يفضل أن يشاهد طفلَه ماثلاً ساكناً أمام
التلفاز على أن يلعب في المنزل ويزعجه؟
وربما تساءل الأهل: وما الضير في أن يتابع الطفل التلفاز على حساب اللعب؟
فنقول: إن اللعب سواء كان استكشافيا أم تخيلياً ينمي قدرتهم على ضبط سلوكهم الخاص, ويساعد على نجاحهم كمخلوقات اجتماعية. فاللعب في السنوات الأولى من عمر الطفل يساهم في نمو المهارة البدنية بالإضافة إلى تخفيف التوتر النفسي. وفيما بعد يساعده على اكتساب المهارات الاجتماعية وضبط الدوافع, مثل تقبل الخسارة بلباقة وتعلم الابتسام والتفاهم السلمي مع الآخرين. ولا تخفى قيمة هذه المهارات في حياتنا الإنسانية.
وقد قام العالم النفسي هاري هارلو Harry harlow بتجارب ليقيم دور اللعب في نمو نوع من القردة التي يُظهر سلوكها في أثناء اللعب تشابهات كثيرة مع لعب الأطفال من بني الإنسان. وكانت النتائج شذوذاً سلوكياً غريباً, حيث كانت القردة المحرومة من اللعب أكثر عدوانية في سلوكها الاجتماعي. وانسحبت من معظم الألعاب الخشنة التي تميز لعب القرود العادي. وشرعت في شن هجمات عنيفة على القرود الأخرى في أوقات غير ملائمة. ولم يبد عليها أي خوف من القرود الأخرى, مما أحدث عواقب وخيمة لها خاصةً, لأنها في أحيان كثيرة هاجمت قروداً أقوى منها.
فهل يمكن أن يؤدي تقليل اللعب عند الأطفال بدرجة كبيرة إلى زيادة السلوك العدواني الذي كان يتم تلطيفه وتطبيعه اجتماعياً من خلال تجارب اللعب؟
إن تناقص اللعب قد يكون السبب حقاً في زيادة التعدي الطفولي العادي مثل الدفع والضرب والركل, رغم أنه ليس التفسير الوحيد.
وبالإضافة إلى كل ما سبق يذكر العالم الأنثروبولوجي "إدوارد نوربك" "Edward Norbeck" هدفاً أخر للعب, فيعتبره محرضاً على الاستمتاع بالحياة, والذي يجعل سنوات الرشد ممتعة وجميلة.
ويقول يوري برونفنبرنر Urie Bronfenbenner : "إن الخطر الأول لشاشة التلفزيون لا يكمن إلى حد كبير في السلوك الذي ينتج عنها – على الرغم من وجود خطر هنا أيضاً- بقدر ما ينجم عن السلوك الذي تقف حائلاً دونه: الأحاديث, الألعاب, المباهج والمجادلات الأسرية التي يتعلم الطفل من خلالها الكثير وعن طريقها تتكون شخصيته".
المراجع:
وين, ماري: الأطفال والإدمان التلفزيوني. ترجمة عبد الفتاح صبحي. سلسلة عالم المعرفة.